في الحقيقة كل ما أشرت إليه أخي الشريف موجود وليس انه غير موجود،ولكن هل فكرت مجتمعاتنا في كلمة تلخص ردود أفعالهم ألا وهي " الإسراف" هل فكر التجار في قوله تعالى " وأوفوا الكيل"؟؟ هل فكر الباعة يوما أن الدنيا ممر معبر قصير؟؟ هل فكرنا نحن أنفسنا أن هناك شيء اسمه الاعتدال وان هناك عبارة تقول في مدلولها "لا إفراط ولا تفريط"؟؟ هنا أقول أن كل ما هو دون منطق خارج عن السيطرة والعقلنة وكل ما هو خارج عن السيطرة والعقلنة = فساد، فالزبد يفسد فور إزالته من المجمد والشوكولاتة تفسد فور ما تأخذ حرارة المطبخ واللبن يفسد قبل نخضه والزرع يفسد إذا ما دسناه وهكذا الحياة أيضا أكثر عرضة للضياع والفساد.
كلها أمثلة توحي لفكرة كل شيء له مسببات،والمسبب الأكثر استهدافا هو الإنسان،هذا الإنسان يحمل صفتان اثنتان للتصرف في الشيء لا أكثر وثاتيره يقتصر على صفة دون الأخرى ، ايجابية أو سلبية، فإن بدى سلبيا يكون بذلك مسببا أكثر خطورة وان بدى ايجابيا يكون مسببا أكثر فعالية،أما المسببات الأخرى فلها قابلية الثاتير بالصفتين على حد سواء،نعود إلى مثلنا البسيط الزرع،وكـنوع من المسببات نأخذ مثلا المؤثرات الخارجية الجوية مقارنة مع المسببات الإنسانية،فعندما يدس بقدماه على الزرع يكون قد هتكه وأودى به إلى الزوال فالعدم،وهذا في حد ذاته سلوك سلبي قاطع و محض، أما عندما يلتوي الزرع بثأتير حرارة مفرطة فانه يرجع ليستقيم من جديد بعد برودة الجو وتهاطل الأمطار مع هبات الرياح،وهكذا يكون التأثير آنذاك سلبي/ايجابي.
من هذا كله نستنتج إذن أن علاقة الإنسان تبدأ بعلاقته مع نفسه قبل أن ترتبط مع الغير،فالإنسان هو من يصنع مأساته بيده وهذا ما يحدث معه في مجال الإنفاق التلاتي الأبعاد بالضبط حيث يرمي بنفسه إلى ما يسميه بمفهومه الخاطئ مواكبة العصر ليجد نفسه أوساط حفر الديون والقروض البنكية بهدف إملاء جيبه،نعم لقد امتلأ الجيب ولكن ماذا وراء ذلك؟؟هل تصدق على فئة من الفقراء بجزء من ماله هذا؟؟ هل ساعد المحتاجين والمعوزين يوما ولو بدرهما واحد ؟؟ هل...وهل...وهل...؟؟؟؟ كلها أسئلة الجواب عنها يتأتى بالنفي كلالالا.
لماذا كل هذا الكم الهائل من المال إذن يا هذا؟؟ إلى أين أنت ذاهب به يا مالكه ؟؟ هل لتجهز به دار إفتاء دينية علمية ؟؟ هل لتنفقه في سبيل محروم من العلم أو تضامنا مع مؤسسة خيرية ؟؟؟ يجيب المالك كلا مصيره الادخار،تسأله مجددا هل خشيت أن يدور بك الزمن في يوم من الأيام ؟ حسنا ادخر نصفه واستثمر النصف الأخر في ما يرضي ربك،ويصيح رب المال كلا أمر مستحيل.
وتستدرجه في المحاورة لماذا وجب عليك ادخاره كليا وأنت لست بحاجة لان تفعل لا الآن ولا اليوم ولا غدا حتى؟ هل تود ادخاره حتى تخطط لمشروع معين هادف يعود بالنفع والمصلحة على الغير؟؟ فبماذا يا ترى يجيب، هل يجيب بنعم ؟ لا، هل يجيب بربما ؟ لا،ما جوابه إذن ؟ يجيب أنا ذاااااهب به الى السوووق ، عجبا لذلك،ما حاجتك يا أخي لإنفاقه وأنت في نعيم لا شيء ينقصك،ويقول عابد المال انه رمضااااااان على الأبواب.
هل استحضر الرجل أنداك قوله تعالى " شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى ورحمة" ؟؟ هل تذكر أن رمضان للعبادة وليس للأكل والشرب؟؟ أشك في تقدمك يقول كلا انك جاهل متخلف، انظر كيف يفكرون هؤلاء والى أي حد تكون نظرتهم للأمور في حقائقها سطحية لحد سواء.
وصلنا إلى السوق ماذا تفعل يا هذا أتراك تشتري لسد رمق جوعك أم تراك تشتري لتفتح دكان مبيعات،وتجده يشتري وينتقي أغلى المأكولات بشتى أشكالها وأضخم أنواعها بكميات زائدة وإذا به يخرج وكثرة الأكياس محملة على كتفيه لا تكاد يداه أن تسعها فإذا به يمسك هذا بأسنانه وذاك تحت إبطيه ورؤية الطريق قد حجبت عنه الأكياس،فيسرع للسيارة مهرولا يكاد أن لا يعبر الممر حتى، ااه يا للعجب،هل السوق راحل؟؟هل هناك إعلان خبر إغلاق السوق أم المنتجات الغذائية من ستنقرض بعد الآن ؟؟ وأنت مذهول من ما ترى الناس عليه هذا يتهافت وذاك منهمك والكل في تنافس تسأل سائق سيارة الأجرة التي مرت بك على باب السوق فيجيب: إن ذلك من اجل إقبال رمضان،أهكذا حثنا ديننا على استقبال شهر التوبة والغفران،وتتنفس تنفس الصعداء ولا تجيد القول غير "لا حول ولا قوة إلا بالله".
مرت أسابيع قلائل فإذا برب المال مرمي من جديد لكن هته المرة بين ممرات السوبرماركيت،ماسك للسلة ويأخذ من كل صنف طرف،تجدي بك التساؤلات فتحاور نفسك يا للعجب،بالأمس البطاطس واليوم تيشورت،وإذا به قادم ترى سلته تملئها أشكالا وألوانا تكاد السلة أن تتحول إلى قوس قزح وكأنه يقصد آلة التصبين،قوة الألوان المزركشة وأحدث الصيحات فتلتقيه يقع أمامك" استسمح لا باس أن ادفع الحساب ولو انك الأسبق المعذرة إني على عجلة لا املك وفيرا من الوقت" ثم ينحيك بكتفه جانبا وأنت تتعجب لخالقك أصناف أيتها أصناف سبحان الله.
هل دفع الشاري الأجور لصاحب المحل؟؟كلا لقد قال:" سجل عندك المبلغ أضفه إلى القائمة حتى للعام المقبل" ويخرج الرجل بكبرياء احم احم لقد اشتريت من السوبرماركيت محل أثمن الملابس فانا لا اشتري ماهو معلق ومعروض بالأسواق والمحلات الصغرى،هكذا يخاطب ذاته ويرفع من شانه من راه قال يا لسعادته وهو في الواقع قد ترك بالداخل ديوان الديون وليست مجرد ورقة أو مذكرة فحسب،لو فتحته وتطلعت عليه لوجدته مجزأ إلى مجلدات كلها ديون أجور متفاوتة تحت عنوان " سجل عندك حتى أعيد الكرة مرة وأخرى".
قارن المعادلة كيف تصير وتسير: في السوق لا يملك إلا القرض لان عليه دفع الأثمنة Sur place
وفي السوبرماركيت يعرف صاحب المحل Pas de probléme
المصلحة أن يصبر عليه فمقولة: "و اصبر على خوك واحد شويا حتى يتوسع ورزقك يوصلك" هي التي تسير.
انه الدخول المدرسي تمادى ولم يفكر أن العلم يأخذ بالفكر وليس بارتداء احدث صيحات الأثواب،ألم يتذكر هذا يوما أن أبا هريرة رضي الله عنه تعلم أجود العلوم والجوع يقطع أحشاءه حينا لا يملك حتى طرف خبز ؟؟ ألم يدرك أن كم من فقير سار على درب كسب العلوم ونجح ؟؟
مرت أيام وساعات وهاهو ذا عابد المال يردد خطواته قاصدا محلا يجمع بين معرضات السوق والسوبرماركيت معا،فهته المرة يقصد ما يأكل وما يلبس في الوقت نفسه، إنه اليوم ما قبل العيد، يرمي بك الاستغراب لتوجيه سؤال له: هل أنت مجددا هنا ؟ بالله عليك لماذا تقهر نفسك أين مصروفك الشهري ؟؟ فيرد عليك الرجل " وايلي حتى انتايا راني مايقضي لي والو راه تديه كامل غير البوطا وخنشة الدقيق " هذا وهو يتقاضى المليون والنصف شهريا ،فماذا سيقول الفلاح والبناء لو هو هكذا يقول،تصوروا الحكاية معي كيف هي،لاء حقيقة هذا هو حال أناس يومنا هذا
لا ادري كيف يعطون بهذا المنظور كل الأهمية لقطع الثوب والأطعمة بحجة انه العيد والكل يبحر في هواه وينسون قول عمر ابن عبد العزيز " ليس العيد لمن لبس الجديد،بل العيد لمن خاف يوم الوعيد".
للأسف هكذا واقعنا المعاش تخضع فيه مجتمعاتنا لبواعثها النفسية فتتبع الملذات والموضات ولا يهم ما إن كان ذلك مطابقا للنهج الصحيح أم منافيا له،إن امتنا العربية لا يتقصها سوى قليلا من الإدراك وتحكيم المنطق في إطار تحقيق المتطلبات في حدود مرضاة الله واقتداءا بسنة أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.أقول امتنا العربية لأنها امة مسلمة بدرجة اصح ومن العيب والعار أن تنساق وراء مخططات الغرب وثقافاته الساقطة،فمجتمعاتنا مدعمة على أسس مبدأ الدين والإسلام ومن المفروض أن تراعي معظم إن لم اقل كل الجوانب التي ينص عليها ديننا الحنيف والوقوف عند حد كل ما يعتبر دافعا أو محفزا للمخالفة.
هنا يتجلى دور المنظمات والحركات الداعية والتي عليها تنظيم المحاسبين وتجزيئهم إلى مجموعات صغرى تحمل المهام في فروعها فتتحرك وتتنقل في شتى أقطاب أحياء المدينة ،بأعين حريصة على حسن ترقب السلع من جهة وتحسيس الساكنة وتوعيتها بأبعاد وعواقب سلوكاتهم من جهة أخرى.
وفي غرار الإنفاق الثلاثي الأبعاد الذي نص عليه موضوع الأخ الكريم الشريف والذي نحن بصدد الحديث عنه فان هناك وجود للإسراف والذي بدوره أدى بجزء من الحياة إلى الفساد،ومادام الإسلام قد أشار بتنبيه وحذر إلى الأمرين كليهما فلماذا نسرف ونساهم في الفساد ونحن امة تؤمن بالله وتخشى حدوده ؟.
أخي الفاضل الشريف طرحك في غاية الروعة والأهمية فهو جزء من ما آلت إليه حياة امتنا العربية فهو بذلك موضوع فكرته مستمدة من الواقع دمت بود ولك العافية لا تحرمنا من امتيازاتك مع أسمى تحياتي.